Working for Recovery Reconstruction & Development in Syria

Home  »   Print Page

مبدأ التنازل عن الحرية السياسية مقابل الخدمات لم يعد مقبولاً

14 آب 2011

مجلة الاقتصادي

الكلمة الحرفية التي ألقاها الدكتور نبيل سكر في اللقاء التشاوري للحوار الوطني، الذي عقد بمجمع صحارى في شهر تموز 2011.

السيد رئيس الجلسة

السادة الزملاء

 

إن الأزمة التي نحن بصددها اليوم هي نتيجة تأخرنا بإصلاح نهج سياسي واقتصادي واجتماعي حقق نجاحات في فترة معينة من تاريخنا المعاصر،ولكنه لم يغير نفسه حين تغير الآخرون ولم يجاري التحولات الديمقراطية والاقتصادية العالميةالتي تمت خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، مما أدى إلى إخفاقه في  توفير فرص المشاركة السياسية والاقتصادية الفعالة للمواطن، وإخفاقه في إقامة المجتمع المدني المبني على أساس المواطنة وسيادة القانون،وإخفاقه كذلك في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال بناء القاعدة الصناعية والزراعية الصلبة والارتقاء البشري و التكنولوجي وبناء مؤسسات الدولة،مما أدى إلى تراجع مستوى المعيشة للمواطن مقارنة بمستواه في بلاد أخرى وتراجع ترتيب سوريا في سلم التنمية العالمي، متخلفة عن دول عديدة كانت على مستوى مماثل لها من الدخل قبل خمسين سنة مثل كوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل واندونيسيا وماليزيا وغيرها.

 

وحين قررنا بعد انتظار طويل إصلاح هذا النهج أهملنا الشق السياسي منه،  واتجهنا إلى لبرلة الاقتصاد من دون رؤية ومن دون برنامج واضح. مما جعل هذا الانتقال سطحياً وغير قابل على تحقيق أهدافه:

  • كان هناك نقصاً في القناعة باقتصاد السوق في الحزب كما هو في الحكومة.
  • كان هناك نقصاً بالمعرفة باقتصاد السوق وآليات عمله.
  • كان هناك خلافاً عميقاً في تفسير مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي داخل الحزب كما داخل الحكومة مما أثر على القرار الاقتصادي نفسه والسرعة في تنفيذه.
  • وكان هناك معارضةلاقتصاد السوق من أصحاب المصالح المكتسبة.

لذلك جاء هذا الانتقال إلى اقتصاد السوق منقوصاً في الرؤية كما في التطبيق،مما يؤكد أن الإصلاح الاقتصادي الليبرالي يحتاج إلى ليبراليين، ويؤكدأن الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى الإصلاح السياسي المتوافق معه، ليوفر له الرافعة والحماية والدعم.

وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية وعمق الممانعة، فقد حققت الإجراءات والسياسات التحريرية الجديدة زيادات في معدلات الاستثمار والنمو وأخرجت الاقتصاد من الركود الذي ساده في الأعوام السابقة له،رغم أن الاستثمار الجديد لم يتجه كله نحو القطاعات الإنتاجية الأساسية كالصناعة والزراعة، ورغم أن التشريعات الجديدة ركزت على تحرير التجارة وتأخرت بالتطوير المؤسساتي وبخطوات التمكين لكل من القطاع الخاص والقطاع الحكومي. ومن جهة أخرى، فقدبدأت الحكومة بتفكيك شبكات الحماية الاجتماعية القديمة ( التوظيف الاجتماعي وتحديد الأسعار والدعم الاستهلاكي) قبل أن تدخل شبكات الحماية الاجتماعية الجديدة المرتبطة عادة باقتصاد السوق،مثل برامج تعويض البطالة والضمان الصحي للمواطنين. كما وأنها لم تكافح الفساد سواء كان الفساد الكبير أوالصغير.

ونتيجة لهذا الإخفاق، وبدلاً من الاعتراف به، نلحظ اليوم بوادر تحميل الليبرالية الجديدة وزر الأزمة ووزر تردي الأوضاع المعيشية وتزايد البطالة والفقر وتزايد الفروقات بين الطبقات،ونرى سياسات وإجراءات من قبل الحكومةتعيدنا إلى التوظيف الاجتماعي وإلى الدعم الاستهلاكي وتثبيت دور القطاع العام الاقتصادي. وفي اعتقادنا أن التراجع عن اقتصاد السوق يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني ويهدد الثقة التي خلقناها لدى القطاع الخاص في السنوات الأخيرة، كما سيعيق هذا التراجع إخراج الاقتصاد من أزمته الحالية وسيعيقه عن تحقيق النمو المنشود بعد الأزمة.

 

وبالعودة إلى تحليلنا لأسباب الأزمة نقول ما يلي:

إن العقد الاجتماعي القديم القائم على أساس تنازل المواطن عن الحرية السياسية مقابل توفير الخدمات الاجتماعية له من الدولة لم يعد مقبولاً في عالم اليوم، كما وأنهذا العقد لم يعد ممكناً في ظل التزايد السكاني الهائل، ومحدودية المال العام، ولم يعد متوافقاً مع اقتصاد العولمة.وأصبح من المحتم  إقامة نظام سياسي واقتصادي جديد مبني على تشاركية واسعة مع المواطن ومع المجتمع المدني ومع القطاع الخاص لتحقيق تنمية شاملة وعادلة. نحن الآن بحاجة إلى إصلاح شامل.

إصلاح سياسي: باتجاه إقامة نظام ديمقراطي تعددي مبني على مبدأ يتبادل السلطة واحترام الحقوق المدنية للمواطن.

إصلاح اقتصادي: مبني على هوية  اقتصادية قوامها الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مع أولوية للقطاع الخاص في العملية الإنتاجية وأولوية للقطاع العام في العملية الاجتماعية.

إصلاح إداري: يشمل جهاز الخدمة المدنية بكافة مستوياته يحدد المسؤوليات ويحاسب المسؤولين، ويجعل التعيين والترفيع على أساس الكفاءة لا الولاء.

إصلاح قضائي:  يضمن كل من الكفاءة والعدالة.

إصلاح تعليمي يهدف إلى إنتاج الطالب المبدع القادر على التفكير والتحليل والمدرك لحقوقه وواجباته تجاه مجتمعه و وطنه.

إصلاح مجتمعي يعزز  مفاهيم المواطنة ومفاهيم الحقوق والواجبات وسيادة القانون، ويؤكدعلى مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار وفي عملية التنمية ، كما في المحاسبة والمساءلة.

وفي كل هذا وذاك تأتي الأولوية في الوقت الحاضرللإصلاح السياسي. وفي الإصلاح السياسي تأتي صياغة دستور جديد في المقام الأول، دستور يؤكد على مبدأي تبادل السلطة والحريات المدنية في السياسة وعلى مبدأي الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في الاقتصاد، كما يؤكد على استمرار النهج القومي العربي لسورية. هذا الدستور يجب أن تعده لجنة تأسيسية من حوالي 100 شخصية سياسية واقتصادية ودستورية، تستجيب لنتائج الحوار الوطني الذي يدور الآن ويتم طرح الدستور بعد صياغته على الاستفتاء العام.

 

وشكراً